تاريخ الأندلس
الأندلس هو الإسم الذي أطلقه المسلمين على شبه الجزيرة الإيبيرية عام 711م ، بعد أن دخلوها بقيادة طارق بن زياد ، و ضموها للخلا فة الأموية و إستمر وجود المسلمين فيها حتى سقوط مملكة غرناطة عام1492م.
يعتبر تاريخ الأندلس من أهم الفترات في التاريخ الإسلامي ، حيث حكم المسلمين الأندلس أكثر من ثمانية قرون ، و إزدهر فيها المسلمين إزدهارا كبيرا وتقدموا في جميع مجالات الحياة تقدما أذهل العالم كله ، و حققوا إنتصارات كثيرة على أعدائهم ، حتى وقعت الإنقسامات و الإنشقاقات بين صفوف المسلمين، و بدأ الأعداء في التغلب على المسلمين ، رويدا رويدا ، إلى سقوط غرناطة سنة 1492م.
و هنا سنحاول تلخيص قصة الأندلس منذ نشاتها إلى سقوطها.
1. مرحلة الفتح
إمتدت رقعة الدولة الإسلامية في العهد الأموي ، و إتسعت الفتوحات لتشمل المغرب و شمال افريقيا و ظهرت خيارات التوسع أمام المسلمين ، فكان الأندلس الخيار الأصوب .
تم الفتح في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك عام 711م ، على يد القائد طارق بن زياد ، عندما أرسله والي افريقيا موسى بن نصير ، من طنجة مع جيش غالبه من البربر و بعض من العرب ، لعبور مضيق جبل طارق الذي ما زال يسمى بإسم هذا القائد ، حيث إستطاع من خلال معركة لكة الإنتصار على جيش ملك القوط رودريز.
2. مرحلة عهد الولاة 95-138ه
و هم الولاة الذين تبعوا الدولة الأموية في دمشق ، و كان أولهم عبد العزيز بن موسى بن نصير وفي بادئ هذا العهد إستمر الفتح و إتسعت رقعة الإسلام على كامل الأراضي الإيبيرية ، أو ما يعرف حاليا بإسبانيا و البرتغال و جنوب فرنسا ، و كادت تشق شمال فرنسا لولا معركة بلاط الشهداء ، التي هزم فيها المسلمون تحت قيادة عبد الرحمان الغافقي.
3. مرحلة الإمارة الأموية138-316ه
و تبدأ بدخول عبد الرحمان بن معاوية المعروف بعبد الرحمان الداخل ، لأنه أول من دخل الأندلس من بني أمية حاكما ، بعد أن كان هاربا من أيدي العباسيين ، بعد سقوط الخلافة الأموية سنة 132ه فتمكن عبد الرحمان من القضاء على الثورات و الصعوبات الداخلية التي كانت تمر منها الأندلس في تلك الفترة ، وأصبحت فترة حكمه من أقوى الفترات التي حكمت فيها الأندلس ، و بدأت فترة الإستقرار والإزدهار و القوة و الحضارة و التقدم ، و ساهم العلماء الأندلسيون على إختلاف خلفياتهم العرقية و الدينية ، بتقدم مختلف أنواع العلوم و المعرفة ، وبني جامع قرطبة سنة 170ه و غيرها من المعالم التاريخية .
4. مرحلة الخلافة الأموية 316-422ه
تحولت الدولة الأموية في الأندلس من نظام الإمارة إلى نظام الخلافة على يد عبد الرحمان الناصر ، و المعروف في الروايات الغربية بعبد الرحمان الثالث ، تميزا عن جده عبد الرحمان إبن معاوية ، وعبد الرحمان بن الحكم أو الأوسط ، وهم من حكام الدولة الأموية في الأندلس .
قضى عبد الرحمان الثالث على كل التمردات الداخلية ، و حقق إنتصارات كبيرة على ممالك النصارى في الشمال ، و تصدى لأطماع الفاطميين في افريقيا ، وتمكن من إسترجاع الإستقرار و الهدوء السياسي للأندلس مرة أخرى ، و تثبيث وحدته ، و عمل على تطوير دولته و تقويتها و إنتعاشها في جميع المجالات .
وغدت قرطبة واحة من أعظم مدن العالم ، و نافست بغداد في بهائها و عظمتها ، كما شيد عبد الرحمان الناصر مسجد قرطبة الأعظم و أيضا شيد مدينة الزهراء ، و إهتم بمجال العمارة و البناء الذي ما زال معالمه حاضرة و خالدة إلى يومنا هذا ، وإزدهرت الزراعة و الصناعة و التجارة ، وحضيت العلوم والفنون و الآداب بالرعاية والتشجيع.
5.مرحلة ملوك الطوئف 422-478ه
و هي فترة تاريخية في الأندلس بدأت عام 422ه ، لما أعلن الوزير أبو الحزم بن جمهور سقوط الدولة الأموية في الأندلس ، مما وجب على كل أمير من أمراء الأندلس ببناء دويلة صغيرة منفصلة ، فقسموا الدولة إلى أكثر من 20 دويلة صغيرة ، و بينما ورثت تلك الدويلات ثراء الخلافة ، إلا أن عدم إستقرار الحكم فيها و التنازع المستمر بين بعضها البعض ، جعل منهم فريسة سهلة لمسيحي الشمال ، بل و أجبروا على دفع الجزية لملك قشتالة ألفونسو السادس و ظلوا على هذا الحال إلى أن سقطت طليطلة نهائيا في أيدي مملكة قشتالة .
6.مرحلة دولة المرابطين 478-541ه
أدت الصحوة التي حدثت في إمراء الأندلس و على رأسهم أمير إشبيلية إلى الإستغاثة بدولة المورابطين التي أعادت القوة إلى أراضي الأندلس ، و عملت على إستعادة الفتوحات و إتساع لرقعة المسلمين ، و إنتصر المسلمين في معركة الزلاقة التي غيرت شكل الصراع في بلاد الأندلس ، ثم بعد ذلك ضمت بلاد الأندلس إلى بلاد المرابطين الممتدة من بلاد غرب افريقا إلى شمال الأندلس.
7.مرحلة دولة الموحدين 541-668ه
هي الدولة التي قامت على دولة المرابطين في المغرب و سيطرت على كافة أراضيها بما فيها الأندلس ، وذلك على يد المنصور الموحدي و إنتشرت الفتوحات كما إنتشر العلم بشكل كبير ، إلى حين معركة العقاب التي قسمت ظهر المسلمين و دولة الأندلس بشكل كبير ، و توالت بعدها سقوط مدن المسلمين بدءا من قرطبة سنة 633ه مرورا بجيان و إشبيلية و غيرهم من مدن الأندلس و لم يتبقى سوى غرناطة.
8.مرحلة سقوط عرناطة 668-897ه
كانت غرناطة آخر ما شهد الإسلام من بلاد الأندلس ، و هي تمثل 15% على الأكثر من المساحة الكلية للأندلس ، و إستمرت غرناطة في حكم بنو الأحمر ، حتى تولى الخليفة محمد الثاني عشر مقاليد الخلافة ، و واجه الزحف النصراني فيها ، لكنه كان أضعف من التصدي له فكان سببا من أسباب سقوط غرناطة ، إلى جانب عدة أسباب أخرى كتغيير نمط الحياة الإجتماعية في غرناطة ، و الإبتعاد عن المنهج الصحيح للدين الإسلامي ، و قيام الطوائف و تشتت المسلمين ، و أخيرا ضعف مدينة غرناطة بعد الحصار الذي عانته من طرف الملكان الكاثوليكيان (فريديناند و زوجته ايزابيلا) مما دفع آخر أمراء الأندلس محمد الثاني عشر المعروف بالغالب بالله محمد بن علي ، إلى إبرام معادة بينه و بين الملكين سميت بمعاهدة الحمراء ، قضت بتسليم المدينة غرناطة للقشتاليين و ذلك يوم 2 ربيع الاول 897ه الموافق فيه 2 يناير 1492م .
و بذلك سقطت غرناطة و سقطت الاندلس نهائيا ، وأسدل الستار على التاريخ السياسي للمسلمين فيها.
و في الختام و بعد مرور ثمانية قرون من الحكم الاسلامي في الاندلس ، و بعد سقوط غرناطة اخر المدن الاندلسية ، تم طرد و تهجير المسلمين الى افريقيا او المغرب تحديدا ، بعد ممارسة الحكام أنذاك أبشع انواع التعذيب و القتل و إجبار مسلمي غرناطة على التحول إلى المسيحية عكس ما جاء في معاهدة الحمراء ، و هكذا إستمرت الجرائم المرتكبة في حق المسلمين و اليهود ، أيضا إلى أن إختفت الأندلس قطعيا ، مخلفة وراءها أمجد و أعرق تاريخ و حضارة عرفه المسلمين ، بل العالم بأسره و خاصة أوروبا التي كانت تعيش فترة يسود فيها الظلام و التخلف والجهل ، وكانت الأندلس سببا في النهضة التي عرفتها أوروبا فيما بعد لما خلفته من العلم و المعرفة في كافة الميادين و المجالات التي يحتاجها الإنسان في حياته.